بقوامها الأساسي في قوات سورية الديمقراطية، أضحَتْ وحداتُ حماية الشعب، عامل جذب لعدد من الدول الغربية، التي اطمأنت أمريكا لحضورها وليمةَ الإجهاز على ( داعش ).
فبعدَ أن جعلَتْ هذه الوحداتُ من نفسها قاسمًا مشتركًا بين الإدارتين: الأمريكية، و الروسية ـ و هو أمر يستدعي كثيرًا من علامات الاستغراب و التعجُّب ـ انضمّت دولٌ غربية أخرى إلى الجدار الصلب، الذي تستند إليه تلك الوحدات.
إنّه بغض النظر عن المبررات التي تعلنها كلٌّ من فرنسا، و ألمانيا، و كندا لوجود جنودها إلى جوارها وهي في طريقها باتجاه منبج، فإنّها قد أصبحت جزءًا من المشهد السوريّ المليء بالمتناقضات، الذي لا ترى الدولُ صاحبة النفوذ فيه ( أمريكا، روسيا، إيران، إسرائيل ) غضاضةً في وجودها هناك؛ في الوقت الذي مُنِعَتْ دولٌ أخرى ( عربية: السعودية، و إسلامية: تركيا )، محسوبةٌ على قوى الثورة، من إرسال قواتها للغرض المعلن ذاته.
يأتي هذا التعميد لهذه الوحدات الكردية، كخطوة ضرورية للدول صاحبة النفوذ في المنطقة، باعتماد وكلاء لها في إدارة ملفاتها، فبعدَ أن نفضت أمريكا يدها من فصائل الثورة المحليّة، عقب الإجهاز عليها، من فصائل الجهاديّة العالميّة؛ وجدت نفسها في حالة بحث حثيثة عن بديلٍ آخر، و كان ذلك في هذا المكوِّن الكردي لاعتبارات عِدّة، منها:
ـ أنّ الأقليات عادةً ما تكون أخلص في تحالفاتها من الأكثرية، و هو أمرٌ خبرَتْه فرنسا، حيث قام العلويون بهذا الدور على أكمل وجه.
ـ عمق الشرخ الذي أحدثته داعش بينهم و بين إخوانهم من السُنَّة العرب؛ ما جعلهم يبحثون عن مصالحهم بعيدًا عن التقاطع معهم.
ـ أنّ هذا البديل الجديد، متناغم مع توجهات الغرب، في تهميش الإسلام السياسي في مستقبل سورية؛ فالنزعةُ اليسارية التي تغلّفه تجعلُه البديل الأمثل عن نظام الأسد، و عن فصائل الثورة التي يغلب عليها النزعة الإسلامية.
لقد تنوّعَتْ البدائلُ لدى الأمريكان في سورية، فبعدَ أن أعيتْهم الحيلةُ في إعادة تأهيل النظام، التفتوا إلى فصائل الجيش الحر، غير أن فصائل الجهادية العالمية قد أفسدَتْ هذا المسعى لها، فكانت وحداتُ حماية الشعب آخر الأحصنة السوداء التي ستراهن عليها، و في ظنّ عدد من المراقبين أن المسعى الأمريكي سيلقى حظًا من النجاح؛ للأسباب التي سبق ذكرها، هذا فضلاً على عدم وجود فصائل كردية أخرى إلى جانبها يمكن لها أن تهضمها، فهي تعدّ الفصيل الأفضل تنظيمًا و تجهيزًا و خبرة، ثمّ إنها لم تذهب بعيدًا في التجافي مع النظام و حلفائه؛ و بالتالي لا مشكلة لديها أو لديهم في الاندماج مع بعض أجسامه.
و هذا الأمر يُلزِمها أن تُعيد النظر في جملة التصرفات التي بدَتْ منها مؤخرًا، تجاه المكوِّنات الأخرى، و لاسيّما العربية منها، حين اجتياح قراهم و مدنهم في ريف حلب الشمالي، و هي في موضع اختبار مجددًا فيما يمكن أن تقدم عليه، و هي تتقدّم باتجاه مدينة منبج ذات الأغلبية العربية.
و في المقابل فإنّ فصائل الثورة من المكوِّنات الإثنية الأخرى، واقعةٌ تحت ضغط الإلحاح الأمريكي في أن تمدَّ أيديها نحوها، كي تبقى في موضع الرضا عندها.
و هو الأمر الذي لم يفُتْ المجلسَ الإسلامي السوريّ في أن يتنبّه إليه؛ حيث جعل التعاون معها، باعتبارها المكوِّن الأبرز في قوات سورية الديمقراطية، محمولاً على الضرورة، و هي الكوّة التي يمكن أن تنفذ منها الفصائل التي تطمئنُّ إلى رأيه في مثل هذه الأمور.
• د. محمد عادل شوك