استطاع الشعب السوري بإرادته وتصميمه منذ بدء ثورة الكرامة والحرية أن يصنع لنفسه إعلاما حقيقيا يعكس صورة الواقع وينقل الأحداث بكل مصداقية بعيدا عن تزييف وتشويه الحقائق.
حيث كان إعلام النظام يتبع سياسة التعتيم الإعلامي التي اعتادها منذ أكثر من ثلاثة عقود، ليختبئ وراء جرائمه بحق المدنيين في الاعتقال والتعذيب الذين جل ما قاموا به هو المطالبة بحقوقهم للعيش بحرية . فكان لابد من ابتكار وسائل إعلامية جديدة تنقل معاناة شعب بأكمله ليخرج عن صمته وخوفه ويرى العالم أجمع ما يتعرض له من انتهاكات وظلم.
فالبداية كانت من مواقع التواصل الاجتماعي التي ساهمت بشكل كبير من خلال النشطاء الإعلاميين بنقل وتصوير المظاهرات والاحتجاجات في جميع المدن السورية ، فكانت منبرا لهم في ظل غياب الإعلام المحايد دون الانحياز لأي طرف بعيدا عن المصالح، وذلك بالرغم من ضعف الإمكانيات والجهود التي بذلها النظام السوري للحد من انتشار مقاطع الفيديو التي تصور الوقائع سواء بقطعه لكافة وسائل الاتصال أو بملاحقته للنشطاء واعتقالهم.
وبعد تطور الأحداث في سورية وازدياد العنف ضد المتظاهرين السلميين ودخول الجيش السوري للمدن السورية كان لابد من تسليح المعارضة ليتطور الإعلام بذلك في تأسيس مكاتب إعلامية وتنسيقيات في جميع المدن والبلدات، تنقل الواقع المرير، وظروف الحياة الصعبة التي يعيشها السكان في ظل الأزمة السورية.
لقد أخرجت وسائل التواصل الاجتماعي إعلاميين للساحة السورية التي انفرد بها نظام الأسد وحده، فأصبحت مركزاً لتوثيق الشهداء، وأعداد الضحايا والجرحى جراء القصف العشوائي الذي يتعرضون له، فكان العمل في تنسيقيات الثورة في البداية بشكل سري خوفا من الاستهداف. تقول روز الدمشقي وهي ناشطة إعلامية من مكتب دمشق الإعلامي عبر موقع عربي21:” كان عمل هذه التنسيقيات في بداية الثورة مختص بتنظيم المظاهرات والنشاطات السلمية في المنطقة التي يتواجد فيها، ونشر أخبارها وتوثيق أعداد الضحايا والجرحى جراء القصف”.
وسرعان ما تطورت هذه المكاتب لتبدأ بتدريب المتطوعين الإعلاميين في الداخل والخارج السوري من قبل إعلاميين متمرسين ليكونوا مراسلين للقنوات المحلية والعربية والعالمية في ظل صعوبة وصول مراسليهم إلى الأراضي السورية، ومن أبرزهم هادي العبدالله الذي شارك جيش الفتح في معركة تحرير ادلب حيث كان في الخطوط الأمامية ووثق تقدم الثوار إلى أن وصلوا إلى قلب المدينة. لم تسلم أي مهنة من بطش قوات النظام وإجراءاته التعسفية التي تحاول كتم صوت الحق المعبر عن إرداة السوريين، يقول محمد السوري:” لقد تعرض الكثير من رفاقنا لحملات الاعتقال التعسفية والتي طالتهم نتيجة تتبع قوات النظام مصدر نشر الأخبار والصور، لقد كان للنظام داخل الأفرع الأمنية قسما كاملاً لمراقبة الشبكات والإنترنت، لذلك نضطر دائماً لتشغيل البروكسي لحجب موقعنا، لكن الخطورة تبقى قائمة، في أي لحظة يمكن اعتقالك، أو حتى يتم تصفيتك، كل هذه الأسباب جعلت هذه المهنة حكراً على القليل من السوريين”.
وليس الحال أفضل بكثير في المناطق المحررة والخارجة عن سيطرة النظام، فنظام الأسد بالرغم عن تخليه عن الكثير مناطقه إلا أنه يمكن معرفة مصدر البث واستهدافه، وهذا ما أكده أبو أحمد مدير المكتب الإعلامي لإحدى المناطق في ريف ادلب:” إن النظام يستطيع تحديد موجة البث عبر الأقمار الصناعية بمساعدة روسيا، لتقوم طائراته باستهداف المنطقة بالغارات الجوية، مما يجبرنا على تغيير مواقعنا بين الحين والأخر”. تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فبالرغم من نفعه وخدماته للكثير من السوريين ، إلا أن عدم الحذر قد يؤدي بك إلى أقبية النظام، لكن السوريين عزموا الاستمرار بتقديم تضحياتهم حتى تحقيق النصر.
سماح خالد