لم تقتصر معاناة المرأة السورية على فقدان معيلها أو نزوحها من مكان لأخر، حيث تُخبئ الجدران المغلقة آلاف القصص والحكايا خصوصاً لأولئك النسوة اللواتي أخذنّ على عاتقهنّ إعالة أسرهن والإصرار على حماية تلك العائلات بعد أنّ باتت الحياة في بلاد اللجوء أشبه بكابوس لا نهاية قريبة له .
في ظروف اللجوء الصعبة باتت حياة بعض النساء كحياة الغجريات ، فالمرأة تعمل طوال النهار لتعود إلى بيتها وتقدم الطاعة لزوجها الذي رفض العمل ربما بسبب أو بدونه.
أمينة والبالغة من العمر 30 عاما تعيش مع زوجها وأطفالها في إحدى المدن التركية، وتعمل كخادمة عند الأتراك لتقي نفسها وأطفالها سؤال الناس، حيث تعرضت خلال عملها للإستغلال فهي تعمل أضعاف ما يُقدم لها من أجر كما تقول، أما الغريب في قصة أمينة أن زوجها يرفض العمل لأنه لا يستطيع العمل عند الناس أو لا يقبل الإهانة من أحد متناسياً بذلك حجم الإهانة التي قد تتعرض لها زوجته، تقول أمينة: “رفض زوجي العمل، حاولت معه كثيراً، غير أنّه يربني ويُهددني بالطلاق وحرماني من أولادي.
” أمينة لا تملك اليوم خيارات أخرى، فهي تعتقد أنّ بقاءها مع زوجها واستمرارها بالعمل في المنازل أفضل من كلمة مطلقة في مجتمع ينظر للمرأة المطلقة على أنها عبئ عليه.
حال حنان لم يكن بعيداً عن أمينة، فهي الأخرى تزوجت منذ سنة ونصف من شاب سوري في الأردن يعمل في إحدى المطاعم في عمان، تقول حنان: “كنت أعمل في إحدى المنظمات التي تهتم بشؤون السوريين، وبعد زواجنا بأيام أخبرني أنه ترك العمل لأسباب لم يذكرها وإنتقلنا إلى مدينة أخرى بسبب ظروف عملي، وبعد زواجي بشهرين بدأ يأخذ راتبي كله ولا يبقي لي شيئا منه ويحرمني من أيام الإجازة، وفي إحدى الأيام قررت ترك عملي بعد أن حصلت بعض الخلافات بيني وبين مديرتي، وعندما أخبرته ضربني ورفض أن أترك العمل، حاولت أن أتركه لكن عائلتي رفضت الطلاق بسبب خوفهم من المجمتع لأنني لم أكمل شهرين من زواجي، ومع قلّة حيلتي قررت أن أستمر معه علّه يتغير”.
4 أشهر مرّت على زواج حنان عندما قرر زوجها أن يسافر إلى تركيا بحجة العمل الذي ينتظره عند أحد أقاربه، تقول حنان: “فوجئت عند قدومي بأنه لا يوجد عمل”، لم يتغير زوج حنان بل بقي كما كان في الأردن يمارس عليها الضغوطات لكي تعمل، وبالفعل وجدت حنان وظيفة في إحدى المنظمات العاملة في تركيا وبعد سنة ونصف من زواجها قررت الطلاق من الرجل الذي اعتمد عليها دون الإحساس بمسؤولية تجاه زوجته.
ما تعرضت له المرأة السورية جراء الحرب الدائرة في بلادها أو من خلال ماعاشته من ظروف النزوح كان كافياً كما يقول المختص النفسي والإجتماعي عادل سلامة لتحطيمها، يقول سلامة: “ما تتعرض له المرأة السورية هو جزء من القهر والإضطهاد من قبل العقلية الرجولية الشرقية المتخلفة، وهذه الحالات كنّا نراها سابقاً في البعض من قرى الريف السوري حيث المرأة تذهب للأرض لتحرثها وتسقيها وتحصدها وزوجها يجلس في المنزل، وللأسف لاتملك المراة حق الإعتراض أو حتى المناقشة، حيث تخضع المرأة لكافة الضغوط ليس أقلها العمل كأجيرة وهو بنظرها أرحم من طلاق في مجتمع يحكمه نظرة السوء للمرأة المطلقة، وأيضا لا ننسى عاطفتها تجاه أبنائها وخوفها عليهم من الضياع.
الناشطة في مجال حقوق المرأة هبة المحمد تؤكد أنّ مثل هؤلاء النساء لسن فقط معيلات بل معنفات أيضاً، لأنها تعمل تحت ممارسات عنيفة وقمعية من قبل الزوج الذي يرفض العمل، ويكون العنف الذي تتعرض له مضاعفاً عن غيرها من النساء، فمن الممكن أن تتعرض لإزعاجات ومضايقات من قبل الأشخاص الذين تعمل لديهم أو حتى من النساء التي تلتقي بهنّ، كما أن ممارسات الزوج ورفضه العمل ومشاركة زوجته ألام الحياة تنعكس سلباً على تربية الأطفال، وهذا كلّه يؤدي لمشاكل نفسية على المدى البعيد.